{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ. لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ. فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}
يوجه الله نبيه إلى الصبر. الصبر على تكاليف الرسالة. ويذكره بتجربة أخ له من قبل ضاق صدره بهذه التكاليف، فلولا أن تداركته نعمة الله لنبذ وهو مذموم. وصاحب الحوت هو يونس - عليه السلام -. وملخص تجربته التي يذكر الله بها محمدا صلى الله عليه وسلم لتكون له زادا ورصيدا. ملخص تلك التجربة أن يونس بن متى - سلام الله عليه - أرسله الله إلى أهل قرية. قيل اسمها نينوى بالموصل. فاستبطأ إيمانهم، وشق عليه تلكؤهم، فتركهم مغاضبا. وقد قاده الغضب والضيق إلى شاطئ البحر، حيث ركب سفينته، فلما كانوا في وسط اللج ثقلت السفينة وتعرضت للغرق. فأقرعوا بين الركاب للتخفف من واحد منهم لتخف السفينة. فكانت القرعة على يونس. فألقوه في اليم. فابتلعه الحوت. عندئذ نادى يونس - وهو كظيم - في هذا الكرب الشديد. نادى ربه: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فتداركته نعمة من ربه، فنبذه الحوت على الشاطئ. وهنا يقول: إنه لولا هذه النعمة لنبذه الحوت وهو مذموم. أي مذموم من ربه. على فعلته. وقلة صبره. وتصرفه في شأن نفسه قبل أن يأذن الله له. ولكن نعمة الله وقته هذا، وقبل الله تسبيحه واعترافه وندمه. وعلم منه ما يستحق عليه النعمة والاجتباء. {فاجتباه ربه فجعله من الصالحين}. هذه هي التجربة التي مر بها صاحب الحوت. يذكر الله بها رسوله محمدا في موقف العنت والتكذيب. إن مشقة الدعوة الحقيقية هي مشقة الصبر لحكم الله، حتى يأتي موعده، في الوقت الذي يريده بحكمته. وفي الطريق مشقات كثيرة. مشقات التكذيب والتعذيب. ومشقات الالتواء والعناد. ومشقات انتفاش الباطل وانتفاخه. ومشقات افتتان الناس بالباطل المزهو المنتصر فيما تراه العيون. ثم مشقات إمساك النفس على هذا كله راضية مستقرة مطمئنة إلى وعد الله الحق، لا ترتاب ولا تتردد في قطع الطريق، مهما تكن مشقاته. وهو جهد ضخم مرهق يحتاج إلى عزم وصبر ومدد من الله وتوفيق. أما المعركة ذاتها فقد قضى الله فيها وقدر أنه هو الذي يتولاها، كما قدر أنه يملي ويستدرج لحكمة يراها. كذلك وعد نبيه الكريم، فصدقه الوعد بعد حين.